لحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فشهر رمضان شهر الاجتهاد في العبادات والطاعات، والتقرب إلى الله -تعالى- بما يحب؛ لذا ينبغي على العبد فيه أن يكون في أفضل أحواله، وأن يُري الله -تعالى- منه كل خير ما استطاع؛ ولهذا فمن باب التناصح والتعاون على الخير، نذكر بعض الأخطاء والبدع التي تقع في رمضان، آملين أن يتجنبها الصائمون؛ ليسلم عملهم في رمضان منها، وهي متنوعة؛ منها: ما يتعلق بالاعتقادات والعبادات، ومنها: ما يتعلق بالأقوال والسلوكيات، وتختلف في أحكامها، فمنها: ما هو حرام، ومنها: ما هو مكروه، والمسلم في رحلته عبر الحياة -خاصة في رمضان- عليه أن يجتهد في السلامة من كل ذلك قل أو كثر، فمن ذلك:
- التساهل في الأخذ بالأحاديث الضعيفة -بل والموضوعة- ونشرها بين الناس؛ بدعوى الحثّ على الخير في شهر رمضان، فتتناقلها الألسن، وتـُلقى على الأسماع في الدروس الرمضانية والخطب، وتبليغ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعليمها للناس قربة وعبادة، ونسبة حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقله خطأ كبير؛ إذ يجب بينان ضعفه، أما الأحاديث الموضوعة فلا تذكر إلا ببيان أنها موضوعة، وفي الحديث المرفوع المتواتر: (مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)(متفق عليه)؛ لذا وجب التثبت من كل حديث يُنسب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويعلم للناس، وهل يليق بالصائم العابد أن ينسب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله؟!
والعمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال عند القائلين بجوازه له ضوابط ينبغي التقيد بها فلتراجع، وأما في الأحكام والمعتقدات فلا.
وللأسف فهناك العشرات من الأحاديث الضعيفة والموضوعة يتداولها الناس بلا نكير في رمضان، فوجب التثبت والتحري، فمن أمثلة ذلك:
حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- المرفوع الطويل وفيه: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر يوم من شعبان فقال: يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه... " الحديث، وهو مما يُلقى على المنابر، وتخصص له الدروس والمجالس في رمضان، وقد ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم: "871".
والحديث المرفوع: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"، بيَّن بطلانه الحافظ "ابن رجب الحنبلي" في رسالته: "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب".
والحديث المرفوع: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي"، لا يصح كما بينه الحافظ في: "تبيين العجب".
وحديث: "صوموا تصحوا" ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم: "253".
وحديث: "شهر رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر"، ضعفه ابن الجوزي، وابن حجر، وهو في السلسة الضعيفة، وضعيف الجامع للألباني.
وحديث: "من اعتكف عشرًا في رمضان كان كحجتين وعمرتين"، حديث موضوع كما ذكر الألباني في السلسة الضعيفة والموضوعة برقم: "518"، وفي ضعيف الجامع الصغير، وضعيف الترغيب والترهيب.
وهذا باب واسع يجب التنبيه عليه والتحذير منه، وتوجيه العباد إلى ما صح من حديث وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن الأخطاء: الغفلة عن تعويد الأولاد على الصيام من الصغر، وتعهد الأولاد وتدريبهم على العبادات الواجبة من الصغر مما أمر به الدين؛ خاصة "الصلاة، والصيام"، كما بيَّنه العلماء، فيؤمر الصبي بالصلاة لسبع سنين، ويضرب عليها لعشر، كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخبرت الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ). قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ. (متفق عليه).
فيغرس في الصغير حب الصيام، والتعود عليه بالترغيب في ثوابه، والثناء على الممتثل به مع إمكانية التدرج فيه خاصة مع طول النهار وشدة الحر، فهذا يصوم إلى ما بعد الظهر، وذاك إلى العصر حتى يصل به الأمر تدريجيًا إلى صيام اليوم كله بحسب القدرة.
وللأسف فإن أكثر المجاهرين بالفطر في رمضان من العصاة: إنما اعتاد الفطر من صغره، ولم يُدرب عليه، ويُسأل عنه فاستثقله.
ومن الأخطاء: الانشغال بالمبادرة إلى الطعام والشراب عند سماع أذان المغرب فلا يردد المرء الأذان مع المؤذن، وفي الحديث المرفوع في الصحيحين: (إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ)(متفق عليه)، فيضيع على الصائم ثواب الترديد، والكثيرون يتركون صلاة المغرب في المسجد في جماعة، في رمضان؛ بحجة تناول الإفطار، وهذا خلاف هديه -صلى الله عليه وسلم-، فيتناول الصائم ما يذهب عطشه، ويسد جوعه، ويصلي في جماعة المسجد، ويعود لبيته فيستكمل طعامه وشرابه، فينال ثواب الجماعة مع ما في ذلك من إراحة معدته، والتدرج بها على ألا يملأ معدته بالطعام فيثقل عليه قيام الليل، والاجتهاد بالعبادة فيه.
ومن الأخطاء: ترك الركعتين السنة البعدية بعد صلاة العشاء وهي سنة مؤكدة في رمضان وغيره، والكثيرون يصلون العشاء، ثم يقومون لصلاة التراويح فلا يصلوا ركعتي سنة ما بعد صلاة العشاء، ويغفلون عنها طوال شهر رمضان، مع مواظبتهم عليها في غير رمضان.
ومن الأخطاء في صلاة التراويح: حمل المأمومين للمصاحف ينظرون فيها متتبعين فيها ما يقرأ الإمام بهم في الصلاة، فيترك المصلي ما أمر به من وضع يده اليمنى على يده اليسرى في الصلاة، كما في الحديث عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-: (كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنـْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. (رواه البخاري)، وينشغل بحمل المصحف ووضعه، وتقليب صفحاته، والواجب عليه الاستماع والإنصات لقراءة الإمام، والانشغال بتدبر وفهم ما يسمع.
ومما يحتاج لتصحيحه قولهم: "رمضان كريم"؛ يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عن هذه الكلمة: "حكم ذلك أن هذه الكلمة "رمضان كريم" غير صحيحة، وإنما يقال: "رمضان مبارك"، أو ما أشبه ذلك؛ لأن رمضان ليس هو الذي يُعطي حتى يكون كريمًا، وإنما الله هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهرًا فاضلاً، ووقتـًا لأداء ركن من أركان الإسلام" اهـ.
ومما يحتاج للتصحيح ما اعتاده الناس من طبع إمساكيات رمضان وفيه: تقاويم الشهر، وفيه توقيت للإمساك، ويجعل قبل أذان الفجر بنحو عشر دقائق أو ربع ساعة، والإمساك قبل الأذان بوقت هو زيادة على ما فرض الله -تعالى- على عباده، وفاعله متنطع، وفي الحديث المرفوع عن عائشة -رضي الله عنها-: أَنَّ بِلاَلاً كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) (متفق عليه)، وهذا الحديث بيان للمراد بالخيط الأبيض من الخيط الأسود في قوله -تعالى-: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة:187).
ومن الأخطاء الشائعة: تخفيف صلاة التراويح، والإسراع في قراءة القرآن فيها، بل ربما لا يكون فيها اطمئنان وخشوع، فضلاً عن تدبر ما يقرأ فيها، أو الإطالة والمبالغة في دعاء القنوت مع السجع فيه، والتزام أدعية معينة؛ خاصة عند ختم القرآن مما لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن صحابته -رضي الله عنهم-!
ومن الأخطاء الشائعة: تسميتهم آخر جمعة من رمضان: "الجمعة اليتيمة"! وتخصيصها بأمور وأحوال، كقول الخطباء على المنابر: "لا أوحش الله منك يا شهر رمضان، لا أوحش الله منك يا شهر القرآن، يا شهر المصابيح، يا شهر التراويح، يا شهر المفاتيح"، ونحو ذلك...
ومن الأخطاء الشائعة المتعلقة بليلة القدر: الجزم للعوام بأنها ليلة كذا... مع ما في ذلك من الخلاف، وما يصاحب تلك الليلة عندهم من الاحتفالات، والخطب، والقصائد والمدائح، والانشغال بذلك عن قيامها، والتعبد فيها، واعتقاد علامات لها لم تثبت شرعًا: كاشتراط نزول المطر فيها، ورؤية منامات ونحو ذلك.
ومن الأخطاء الشائعة أيضًا: الإسراف في الإنفاق على أنواع الأطعمة والأشربة، والفواكه، والحلويات المختلفة، والمخللات وفواتح الشهية، حتى صارت النفقة في رمضان على ذلك أضعاف ما ينفق في غيره من الشهور!
وخـَتم الشهر بعمل أنواع من الكعك والبسكويت ليوم العيد، وربما استدان المرء لذلك! وانشغل أهل البيت صغارًا وكبار بصنع ذلك عن التعبد، والذكر، وقراءة القرآن في ليالي العشر الأواخر من رمضان، وغالب ذلك من الإسراف المذموم والرياء بين الناس!!
ومن الأمور المؤسفة: ما يتهاون فيه الكثيرون من الكبائر؛ كترك إخراج الزكاة لسنوات عديدة، وترك أداء الحج مع القدرة المالية والبدنية عليه، والتعامل بالربا مع البنوك الربوية، وعدم المواظبة على الصلوات المكتوبة، أو قصر أداءها على رمضان، والجمع، أو التردي في الغيبة، والنميمة، والرشوة، والغش، ونحو ذلك من كبائر الأمور المنهي عنها، والتي بها يفقد المرء ثواب صيامه، فلا ينتفع بالامتناع عن المفطرات من أذان الفجر إلى أذان المغرب إلا بإسقاط فريضة الصيام عنه فلا يطالب بقضاء، ولكنه يوم القيامة من أصحاب الكبائر المستحقين لدخول النار بركن لم يؤده، أو بكبيرة لم يتب منها، ولو ترك هذا الصيام لزادت بذلك كبائره كبيرة.
ومن الأخطاء المتعلقة بمجيء رمضان في الإجازات الصيفية ونحوها من الإجازات: السفر للفسحة والتنزه، والاصطياف بأماكن ومنتجعات ومتنزهات وشواطئ تـُقترف فيها المعاصي: من الاختلاط بين الجنسين، والتعري، ونحو ذلك... مع ترك الصيام، وقصر الصلاة بدعوى أن للسفر رخصة، وقد بيَّن الفقهاء أن السفر الذي فيه الرخصة بذلك ما ليس سفر معصية، كسفر واجب أو مندوب أو مباح، أما سفر المعصية فلا يترك فيه صيام رمضان ولا تقصر فيه الصلاة لما في ذلك من الإعانة على المعصية.
ومما يكثر في الإجازات: السهر طوال الليل على المقاهي، أو الكورنيش، أو أمام التلفاز، أو مع الأصدقاء فيما لا يفيد، حتى وقت تناول السحور، ويعقبه نوم طويل في النهار، وربما إضاعة صلاة الفجر جماعة أو في وقتها، وفي الحديث المرفوع: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يُبَالِي بَعْضَ تَأْخِيرِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَكَانَ لاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلاَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا)(متفق عليه).
قال النووي -رحمه الله-: "واتفق العلماء على كراهة الحديث بعد العشاء إلا ما كان في خير" اهـ من: "علام يسهر هؤلاء" إعداد: خالد أبو صالح ص:9.
وقال الشيخ صالح الفوزان: "السهر على القيل والقال، وما لا فائدة فيه، أو على اللهو واللعب والمعاصي، ومتابعة المسلسلات، والأفلام الخليعة، وما يأتي عن طريق البث التليفزيوني بواسطة الدشوش، كل ذلك سهر حرام في رمضان وغيره، وفي رمضان أشد تحريمًا؛ لحرمة الزمان، ولأنه بهذا السهر تضيع أوقات في الليل والنهار، وقد ينام في النهار عن أداء الصلوات في وقتها بسبب السهر في الليل، والله جعل الليل للنوم، وجعل النهار للعمل، وهؤلاء عكسوا الأمر، وخالفوا ما طلب منهم، وضيعوا أوقاتهم بالسهر بالليل والنوم بالنهار" اهـ من: "علام يسهر هؤلاء" ص:10 نقلاً عن مجلة الدعوة العدد رقم: "1673".
وكل سهر أدى إلى الوقوع في محرم فهو محرم، أما السهر في طاعة الله، أو في مصالح المسلمين ما لم يترتب عليه ضياع واجب، أو فوات مصلحة أرجح فهو سهر محمود.
ومن مخالفات بعض النساء في رمضان: تحرج الحائضات منهن أو النفساء من الأكل والشرب في نهار رمضان، فلا يأكلن إلا قليلاً أو يتناولن لقمة قبل أذان المغرب بقليل تأكيدًا لعدم الصيام! وهذا تنطع؛ خاصة من نفساء مرضع تحتاج إلى التغذية الجيدة، والطعام والشراب عقب ولادتها، إذ للحائض والنفساء أن تأكل وتشرب بلا حرج في نهار رمضان، ويحرم عليهن الصوم، وإنما يحرم على من أفطر في رمضان لغير عذر أن يأكل أو يشرب في نهاره؛ لحرمة الشهر في حقه، مع ما يلزمه من القضاء والكفارة بحسب سبب فطره بغير عذر شرعي.
وبعد...
فهذه جملة من مخالفات، وبدع تقع من البعض في رمضان ذكرتها إجمالاً خشية الإطالة، والله أسأل أن يجنبنا جميعًا الخطأ والتقصير، أو التفريط في هذا الشهر الفضيل. اللهم آمين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.